ندق ناقوس الخطر .. الأرشيف القومي لتراثنا يلفظ أنفاسه الأخيرة .. فمن يتحرك لانقاذ ذاكرة الوطن ؟

ندق ناقوس الخطر .. الأرشيف القومي لتراثنا يلفظ أنفاسه الأخيرة .. فمن يتحرك لانقاذ ذاكرة الوطن ؟

مجلة نجوم الغلاف - بتاريخ 25/10/2013 - قسم - صفحة - بقلم راندا اسماعيل

ندق ناقوس الخطر .. الأرشيف القومي لتراثنا يلفظ أنفاسه الأخيرة .. فمن يتحرك لانقاذ ذاكرة الوطن ؟

 http://tempuri.org/tempuri.html

ترأث أى أمه هو ذاكرتها , فإن لم تحافظ عليه أصبحت بلا ذاكرة , وفي ظل التغيرات والأحداث المتسارعة , تسقط أشياء كثيرة من التراث , لذلك تعتبر فكرة عمل أرشيف يحفظ تراثنا , فكرة وطنية خالصة , للحفاظ  على هويتنا المصرية من ناحية , وتأكيدا من ناحية أخرى على حقوقنا الفكرية في تراثنا بعد تعرضه للسرقة من قبل دول عديدة , لذلك عندما نحميه ويصبح من حقنا فقط, نستطيع الاستفادة به  وهو ما يدر علينا المال الوفير الذي يساعدنا في انتعاش أقتصادنا , ويتحول إن شئنا إلى مصدر دخل هام لنا ، ورغم كل هذه الأهمية إلا أن وزارة الثقافة نائمة في العسل , ومشروع الأرشيف يكاد يموت وهي تكتفي فقط بالفرجة عليه , رغم أن القائمين عليه يفعلون أقصى ما في وسعهم , وهو ما لمسته مجلة " نجوم الغلاف " عندما ذهبت إليهم وعاشت معهم احزانهم على هذا المشروع الذي وللأسف تتباه الكويت وليست مصر !!!!

في البداية التقينا  د - نهلة إمام - مسئول قسم المعارف الشعبية بالأرشيف ومدرس بالمعهد بالعالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون والتي تحدثت  عن نشأة الأرشيف القومى للمأثورات الشعبية وبداياته قائلة  : كان هناك حلم وهو إنشاء أرشيف يقوم على توثيق الذاكرة الشعبية والحفاظ عليها.  ومع بداية القرن الحالى - الواحد والعشرين ، أُنشئت الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية ( عام 2003م ) كجمعية أهلية تضم المهمومين بالمأثورات الشعبية ، ووضعت الجمعية هدفا أساسياً من أهدافها ، ولعله أول أهدافها - فالعمل على تحقيق الأرشيف هو "الحلم الذى راود كلا من سهير القلماوى وعبد الحميد يونس، وعبد العزيز الأهوانى، وأحمد رشدى صالح " منذ خمسينيات القرن الماضى.واستطاعت الجمعية بتكاتف جهود أعضائها وعلى رأسهم (أسعد نديم) وبقيادته أن يبدأوا الخطوة الأولى فى عام  2006م  بالحصول على منحة من الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى الكويتى ، وموافقة وزير الثقافة على تخصيص جزء من " بيت الخرزاتى والمجاور لبيت السحيمى" بالجمالية ، ليكون مقراً لإنشاء الأرشيف. بعد ذلك تم الإستعانة بخبراء فى هذا المجال من معهد الفنون الشعبية وكلية البنات جامعة عين شمس وعلى رأسهم الدكتور أحمد مرسى أستاذ الادب الشعبى بجامعة القاهرة. تم البدء بتقسيم الأرشيف إلى أقسام ،وكذلك الفصل بين مواد الفولكلور وكان ذلك بغرض الدراسة وتقسيم المسؤليات والتركيز فى التخصص ، ثم تم أختيار مجموعة من الباحثين الميدانيين وتم تدريبهم ،وشمل التدريب محاضرات في جميع فروع المأثورات الشعبية، بالإضافة إلى التدريب على استخدام الأجهزة الالكترونية.

وتأمل د. نهلة إمام أن يدخل هذا المشروع تحت مظلة الدولة ورعايتها ويدخل دار الوثائق القومية لأن المادة الموجودة فيه ستصبح وثائق مهمة على حقبة معينة من تاريخ مصرالاجتماعى.

 

عراقيل وصعوبات

 

ويضيف د. إبراهيم عبد الحافظ مسئول قسم الأدب الشعبى بالأرشيف و أستاذ مساعد، ووكيل المعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون قائلا : العالم من حولنا يتطور ,وظهرت أهمية الإمكانيات التكنولوجية الحديثة مهمة وضرورية فى حفظ المأثور الشعبى ، فهو ذاكرة أى أمة والمعبرة عن كيان أى مجتمع بل هى مكون أساسى من حركته ، لذلك كانت فكرة البدايات الأولى لجمعه مرتبطة (بالدولة) عموما ، فبعد الزخم الذى ضخته ثورة 23يوليو فى المجالات الصحفية الشعبية بدأ مركز الفنون الشعبية بجمع عدد ضخم من الساعات الصوتية والمرئية عن العادات والتقاليد والأدب الشعبى والرقصات الشعبية والموسيقى......إلخ من أقاليم مصر المختلفة " النوبة ، مرسى مطروح، الصعيد، الدلتا، سيناء.. وغيرها "

ويعتقد د. عبد الحافظ أن هذا المشروع إذا قُدر له الاستمرار سيكون امتدادا للجهود السابقة ، ونكون بذلك قد وضعنا أرجلنا على أرضية ثقافية مهمة لأن العالم الآن يهتم بالثقافة الشعبية بإعتبارها مكون أساسى من مكونات الثقافة ، فإذا لم نتحصن ونتعرف على ثقافتنا (ستذوب شخصيتنا) المصرية وتتقهقر فكرة الإنتماء والإعتداد بالنفس وستصبح هذه الثقافة هامشية .محذرا من أن الوضع الحالى فى تراجع نظرا لتقلص التمويل ، وأن الدولة – متمثلة فى صندوق التنمية الثقافية - المشرفة على المشروع لم تخصص مبالغ مالية لإستمراره,  بل أنها تضع العراقيل الادارية والمالية على الصرف عليه. مشيرا  إلى إن إهدار الجهود التى بذلت فى هذا المشروع شيئا منافى للوطنية ، فالوطنية ليست مجرد شعارات وكلام، علاوة على أنه من الصعب أن تقوم أى جهة أخرى أو جمعية أو هيئة بجمع هذا الكم الهائل من المادة الميدانية الموجودة بالأرشيف,  وإذا لم تتحرك الدولة ستضيع هذه الثروة التى برأيى تقدر بالملايين (ليست فى القيمه المادية بقدر قيمتها المعنوية والثقافية) وبهذا تكون الخسارة شديدة على الثقافة المصرية ، لذلك أرى أن إهدار هذه الطاقات العلمية والأموال التى أنفقت فى الثقافة او المأثور الشعبى أو تعريف الناس بوطنهم غباء شديد وضد الوطنية والانتماء

 

من قات قديمة

وعن هذا المشروع تحدث الدكتور سميح شعلان - مسئول قسم العادات والتقاليد وعميد المعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون قائلا : إلى الآن لم تنتبه الحكومات المتعاقبة ولا المسئولون عن هذه الامة العريقة الجذر إلى الفولكلور بوصفه قادرا على التعبير و مُعبرا شديد الخطورة لفهم طبائع المصريين ، وعن تجليات وتوجهات فكرهم ، وعن المعانى التى تجعل فكرهم ينصب فى هذه الوجهة من الأفكار، الأمر الذى يجعلنا نحن كل المسئولين عن الأرشيف نرى أنها قضية وطنية ، علمية ، تطبيقية راصدة من أجل الوطن لكى نتقدم خطوة للأمام ,  فلا يجب أن نتجاهل ما كنا فيه فالمثل الشعبى يقول " من فات قديمه تاه " يعنى أن من يتجاوز ويتنازل عن ثقافته الأم ولا يفهم معانيها لن يكون له وجود بين الأمم ، ولن يكون له وجود فى المستقبل  وسيتوه فيه ، ولن يتمكن من ركوب قطار التقدم بشخصيته وخصوصيته.

ويؤكد شعلان بأننا أن لم ننتبه إلى أن هذا الأرشيف يجب أن يستمر ويستقر ويُدعم من الدولة بالشكل الملائم لمهمته , نكون كمن يلعب في الوقت الضائع , وسنكون بذلك قد ساهمنا فى غياب ملمح خاص بنا وتنازلنا عنه لصالح التوجهات الجديدة ،حيث يأخذنا البعض ناحية الثقافة الأفغانية ، والآخر ناحية الروس، وثالث ناحية الأمريكان , بعد أن أصبح لا أحد معنى الآن باستعادة علاقتنا بذاتنا الحضارية. لذلك بالأمر خطير إذا توقف هذا الأرشيف , وهو بالفعل في سبيله إلى التوقف لعدم وجود الدعم له، فما كان يدعمه هو صندوق الإنماء الكويتى ، ووزارة الثقافة لم تقدم جهدا فيه ،وعدم الدعم المادى سيكون السبب فى هجر العاملين للأرشيف الذى يعتبر مصدر الرزق الوحيد لهم وإن غاب عامل من المشروع سيتوقف الجميع لأننا فريق متكامل ,

ويختم  شعلان مستنكرا:  "عيب أوى"  أن من يدعم قضية وطنية محلية مصرية  هو صندوق الإنماء الكويتى"  ، في الوقت الذي لا يستشعر  فيه المصريون أو المسئولون أو الحكومات المتعاقبة أن هذا المشروع يحتاج إلى هذا القدر من الاهتمام؟!!, لذلك أطالب كل المصريين المرتبطين بأرض هذا الوطن ولديهم وطنية مخلصة له أن يلتفوا حوله ويدعموه.

 

الملكية الفكرية

وعن قوانين الملكية الفكرية للمأثورات الشعبية فى القانون المصرى يقول الدكتور حسام لطفى - أستاذ القانون المدنى وخبير دولى فى الملكية الفكرية : نص الفقرة السابعة من مادة 138من قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، يشير إلى أن  الفولكلور الوطني هو  كل تعبير يتمثل في عناصر متميزة تعكس التراث الشعبى التقليدي الذي نشأ أو أستمر في جمهورية مصر العربية، ...إلخ" ، كذلك المادة 142 تقول" يعتبر الفولكلور الوطني ملكًا عامًا للشعب، وتباشر الوزارة المختصة عليه حقوق المؤلف الأدبية والمالية وتعمل على حمايته ودعمه".  والوزارة المعنية بذلك هى وزارة الثقافة ،وهى المسئولة عن تحرى الالتزام بالمواصفات القياسية للمأثور الشعبى  والتعويض عنه فى حالة الاعتداء عليه أو استغلاله استغلالا خاطئا . لذلك أتساءل "لماذا لا تطبق الوزارة القانون!؟ ، ولماذا لا تقوم بعمل محاضر لمن يخالفه؟، ولماذا لا توجد إدارة تضع معايير للمأثور الشعبى. ؟ ،ولماذا عندما يستغل شخص قصة ما  بصورة تسيء للتراث لا يوجد تدخل  حماية لهذا التراث من التشويه ؟ ! كل ذلك يجعلني أقول بأن الوزارة لا تؤمن بالفكرة وهى ليست من ضمن أولوياتها ، على الرغم من أن هذا المأثور مصدر للدخل إذا قمنا بحمايته الحماية المثلى .

نقطة البداية

 

ويؤكد أستاذ الأدب الشعبى بكلية الآداب جامعة القاهرة ونائب مدير المشروع الدكتور احمد مرسى على ضرورة التوعية بقوانين الملكية الفكرية باعتبارها جديدة على ثقافتنا , مطالبا بأن يكون هناك قانون يُكمل هذا القانون ويحدد ماهية المأثورات وينظم مسؤلية الحماية حيث يوضح آليات وخطوات هذه الحماية والعقاب عليها .كما أنه لحماية هذا المأثور لابد من جمعه وتصنيفه ووضعه على قواعد بيانات, وهو ما يعني العودة بنا إلى نقطة البداية وهى الاهتمام بالأرشيف الذى أتمنى  أن يستمر فى عمله وأن تجعله وزارة الثقافة جزء من بنيتها وكيانها.

ويبقى السؤال بعد هذا الجولة التي قامت بها " نجوم الغلاف " وهو لماذا لا تتحرك وزارة الثقافة؟  فهل يوجد لدى الوزارة أهم من هويتنا , أم تنتظر  ضياعها حتي  تفيق من غيبوبتها!