باحثا و 11 ضيفا عربيا يدقون ناقوس الخطر من تداعيات ضياع المأثورات الشعبية العربية
باحثا و 11 ضيفا عربيا يدقون ناقوس الخطر من تداعيات ضياع المأثورات الشعبية العربية
مصرس - بتاريخ 17/11/2009 - قسم الثقافة - صفحة - بقلم محمد البحيرى
50 باحثا و 11 ضيفا عربيا يدقون ناقوس الخطر من تداعيات
ضياع المأثورات الشعبية العربية
محمد البحيري نشر
في القاهرة يوم 17 -
11 - 2009
شهد المجلس الاعلي للثقافة الاسبوع الماضي فعاليات الملتقي
القومي الرابع للمأثورات الشعبية، الذي عقد في الفترة من 26 الي 29 اكتوبر. وشارك
في الملتقي 50 باحثا من بينهم 11 ضيفا عربيا. وناقش الملتقي حاضر المأثورات
الشعبية العربية وآفاق مستقبلها. وتضمنت محاور الملتقي العلاقة بين الثقافة
المادية وغير المادية من ناحية المفهوم ونقاط الاتفاق والاختلاف. وفي محور آخر
ناقش المشاركون قضية توثيق المأثورات الشعبية ودور الوسائط المستحدثة في هذا
التوثيق. كما ناقشوا علاقة المأثورات الشعبية بالتنمية المستدامة. وناقشوا أفضل السبل
التي تساعد علي تحقيق أكثر من هدف علي صعيد حماية التراث الشعبي. ومن ذلك علي سبيل
المثال: توفير فرص عمل ومصادر رزق للشباب الذين يتحولون تلقائيا الي حراس للتراث
الشعبي ومروجين وناقلين له، بين الاجيال الجديدة في الوطن الواحد أو بين بقية الشعوب.
وجاء انعقاد الملتقي هذا العام وقد فقدت المأثورات الشعبية
رائدا من روادها وحارسا أمينا عليها هو الدكتور صفوت كمال، استاذ التراث الشعبي في
اكاديمية الفنون بالقاهرة، قبل نحو سبعة أشهر. وكان صفوت كمال من اول من بادروا بجمع
مواد التراث الشعبي في مصر، من افواه الرواة، ومن ثم تصنيفها ودراستها علي اسس
علمية. وكان ايضا هو رئيس الملتقي الثالث للمأثورات الشعبية والذي عقد في عام 2006.
احتقار المأثور!
وقال أحمد مرسي، مقرر لجنة الفنون
الشعبية بالمجلس الاعلي للثقافة، ومقرر المؤتمر، ان الشعوب تنبهت اخيرا الي ان
المأثورات الشعبية لم تعد في حاجة الي جمعها فقط، وانما اصبحت ضرورية للتنمية، حيث
يمكن ان تمثل مصدر دخل للدولة وللافراد. وحذر مرسي من خطورة النظر باحتقار الي
المأثور الشعبي واعتباره "بلدي" علي حد تعبيره. واوضح ان ذلك قد يؤدي
بمنتجي هذا التراث الي هجره، وبالتالي يضيع جزء كبير من هذا التراث وامكانياته
الهائلة للتنمية.
ودعا البحريني علي عبد الله خليفة الي
توحيد الجهود العربية في مجال حماية التراث الشعبي، ووصف الامر بأنه ليس سهلا،
لكنه قال انه ايضا ليس مستحيلا. ولكن الدكتور احمد مرسي عقب قائلا انه دعا خلال
فعاليات الملتقي القومي الثالث للمأثورات الشعبية، الذي عقد عام 2006، الي توحيد
العمل العربي المشترك، عبر انشاء جمعيات وطنية لحماية التراث، مثل الجمعية السورية
لحماية التراث، والجمعية التونسية لحماية التراث، وما الي ذلك. علي ان يتم انشاء
اتحاد عربي لهذه الجمعيات في مصر. وقال مرسي ان مصر علي استعداد تام لاستضافة
المؤتمر التأسيسي لهذا الاتحاد العربي. وقال خليفة ان البحرين علي استعداد
لاستضافة المؤتمر الثاني لهذا الاتحاد عقب انشائه.
أجدع ناس!
وتحدثت الدكتورة نوال المسيري، أستاذ
الأنثربولوجيا الحضرية وعضو الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، عن أهمية التراث
الشعبي والدور الذي يمكن ان يلعبه في تنمية المجتمع ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا.
ودللت علي ذلك بفتاة كانت من جزيرة شندويل في محافظة سوهاج، كانت تعمل بصناعة احد المنتجات الشعبية وكان عليها ان تشارك
بانتاجها في احد المعارض بالقاهرة. لكن والدها رفض سفرها الي القاهرة، لكنه اضطر للموافقة بعد ايهامه بان عدم سفر الفتاة يعني دفعه
لغرامة قدرها 3 الاف جنيه. فسافرت الفتاة مع شقيقها الصغير علي ان تكون هذه المرة
الاولي والاخيرة. وكانت المفاجأة ان الرئيس حسني مبارك ذهب لافتتاح هذا المعرض
ودخل الجناح الذي تشارك فيه الفتاة وسألها: "انتي منين؟". فاجابت:
"انا من شندويل سوهاج".
فرد عليها قائلا: "اجدع ناس".
وهنا توافد اهل جزيرة شندويل علي والد الفتاة ليهنئوه بابنته التي رفعت رأس القرية
عاليا! ومن بعدها حصلت الفتاة علي ضوء اخضر ومفتوح بان تفعل كل ما بدا لها من سفر
او انتاج، وكانت النتيجة هي ان عدد اللاتي يشاركن في مشروع انتاج
"التلي" اليدوي بلغ 600 فتاة وسيدة في هذه القرية وحدها. الامر الذي
انعكس في صورة تحسن مستوي المعيشة هناك وحصول المرأة علي قدر من التحرر المسئول
الذي اكسبها المزيد من الاحترام في مجتمع كان يعرف بمعاملته القاسية للمرأة.
واكدت المسيري ان الدولة في حاجة الي
التراث، كما ان التراث في حاجة الي الدولة. وعقب الدكتور محمد الجوهري، استاذ علم
الاجتماع بجامعة القاهرة، والذي كان رئيس الجلسة قائلا ان الدولة لا تحتاج التراث ولا
أصحاب التراث، فالدولة ليست في حاجة الي احد! وحذر الجوهري من ان اهمال التراث
يعني السقوط في فخ التغريب والفرنجة علي صعيد اللغة والازياء والموسيقي وغيرها من
محددات الهوية الثقافية.
باب الحارة
اعربت الباحثة السورية الدكتورة نهال
النافوري عن سعادتها الممزوجة بالدهشة من ردود الفعل القوية التي اثارها المسلسل
السوري "باب الحارة" الذي اعاد احياء التراث الشعبي السوري بتفاصيله
الجميلة وحظي بمتابعة ملايين العرب من المحيط الي الخليج. واعتبرت النافوري ذلك
دليلا علي الدور الذي يمكن ان تلعبه الدراما في حماية التراث الشعبي.
بطل بطل البيتزا
وشددت الباحثة اليمنية نجيبة حداد علي
خطورة التحديات التي تتعرض لها الثقافة الشعبية في العصر الحديث. وقالت ان كل منزل
عربي لم يعد يخلو من تليفزيون وكمبيوتر ودش، واصبح الطفل العربي أسيرًا لهذه
الاجهزة فاستغني عن جدته التي كانت تروي له القصص والحكايات التي تغرس بداخله
القيم والمفاهيم العربية الاصيلة. وانتقدت حداد الغزو الثقافي الغربي الذي جعل بطل
مسلسلات الاطفال طفلا يرتدي الجينز ويأكل البيتزا والهامبورجر ويتناول المشروبات
الغازية بدلا من الحليب أو القهوة العربية.
تكييف المأثور
وتحدث الباحث الجزائري الدكتور عبد الحميد بورايو فقال ان الاستعمار الفرنسي الذي دام
قرنا ونصف القرن في الجزائر سعي الي تكييف مفردات المأثور الشعبي لخدمة اغراضه واهدافه
الاستعمارية. وأكد بورايو ان الهجمة الارهابية التي تتعرض لها الجزائر اثرت في المأثور الشعبي الجزائري، عبر ممارسة التحريم القسري علي اشكال ومظاهر شعبية جزائرية
موغلة في القدم بدعوي انها "بدعة" وحرام. وعرض بورايو تجربته مع توثيق
الامثال الشعبية في الجزائر.
اصالة
وتحدث الباحث والناقد عز الدين نجيب،
رئيس جمعية "اصالة" للمحافظة علي التراث عن مشوار الجمعية وانجازاتها.
واشار الي ان مصر شهدت، عقب ثورة 1952، بعض المحاولات الجنينية لتوثيق التراث
الشعبي مع إنشاء مصلحة الفنون وفرقة "يا ليل يا عين". وتلي ذلك انشاء
مركز الفنون الشعبية عام 1962. ثم كانت تجربة المركز والوزارة لتوثيق فنون اهالي
النوبة عام 1963 قبل ان تغرقها مياه بحيرة السد العالي. وشارك فيها عشرات الباحثين
والفنانين التشكيليين والمعماريين والكتاب والشعراء. وقال ان هذه الحملة اسفرت عن
كم هائل من المأثورات المادية والشفهية وتوثيقها ونشر عدد كبير من الدراسات عن
التراث النوبي وتمت اضافتها الي مجموعة المركز من المقتنيات التي عرضت متحفيا
بمبني وكالة الغوري بالأزهر. واعرب نجيب عن حزنه واسفه لان كل ذلك لم يعد له وجود
في مواقعه الاصلية وتعرض للاهمال حتي اختفت وثائقه، خصوصا بعد اخلاء مبني وكالة
الغوري عام 2000 من اقسام الحرف التقليدية وتخزين المعروضات التي كانت به ونقلها
الي احد المباني التابعة للوزارة بمدينة 15 مايو بعد تخزينها في صناديق بشكل غير
مدروس.
واشار نجيب الي اصدار الجمعية لموسوعة
الحرف التقليدية. وقال ان الجزء الاول منها صدر بتمويل من مؤسسة اغاخان الثقافية،
وكان مخصصا لاربع حرف قاهرية في الاساس وهي: الخرط الخشبي للمشربية، التطعيم
بالصدف والعظام، الخيامية، والمصاغ الشعبي. في حين جاء الجزء الثاني عام 2005
بتمويل من صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة، وخصص لاربع حرف اخري وهي:
الفخار والخزف والزجاج بنوعيه المنفوخ والمعشق، والنسيج المتمثل في الازياء
الشعبية. وفي يناير 2009 صدر الجزء الثالث من الموسوعة بعنوان "العمارة
الشعبية في مصر". وقال ان الجزء الرابع الذي يجري طباعته في الوقت الحالي
يختص بالحرف المرتبطة بمنتجات النخيل مثل الخوص والجريد والليف علي امتداد خريطة
مصر. واوضح ان جمعية اصالة تعكف الان علي انجاز الجزء الخامس من موسوعة الحرف
التقليدية في مصر، وسيكون عن المشغولات المعدنية من الحديد والفضة والذهب بدعم من
صندوق التنمية الثقافية ايضا مثل بقية الاجزاء باستثناء الاول.
تبدلت الأذواق!
ولفت الدكتور الفنان مصطفي الرزاز الي
امر وصفه بالخطير يتعلق باختلال الاذواق والاهتمامات في مصر. وقال: الغريب ان
البدويات والنوبيات والفئات اللاتي كن معروفات بحرفهن الشعبية، اصبحن يرفضن
منتجاتهن وتراثهن بدعوي انها تعبر عن "القديم والمتخلف". وتحولن الي
البحث عن الحديث والمستورد! في حين تحول اهتمام سيدات الحقل الدبلوماسي والطبقات
الراقية الي كل منتجات الحرف اليدوية باعتبارها تعبيرا عن الاصالة والعراقة!
وحذر من اندثار الكثير من ملامح التراث
الشعبي المصري لعدم الاهتمام به بالشكل اللائق وعدم المسارعة الي توثيقه لحفظه
وحمايته. وضرب مثالا علي ذلك بتراجع الحرف النوبية واندثار البعض منها. وشهدت
الجلسة مداخلة من الباحث في التراث النوبي فيصل الموصلي الذي تحدث هو الآخر عن
ازمة الحفاظ علي التراث النوبي. واستشهد باغنية الفنان محمد منير "نعناع الجنينة"
فطلب منه الحضور ان يؤديها بصوته،
فاستجاب لهم وردد الحضور كلمات الاغنية من خلفه. وفي النهاية طلب منه الدكتور احمد
علي مرسي ان يأتي بما لديه من كتابات تتعلق بالتراث النوبي لنشره علي نفقة المجلس
الاعلي للثقافة في نسخ تباع باسعار مخفضة لاحياء التراث النوبي بين الشباب. لكن
الموصلي اثار مشكلة اخري حين تحدث عن حقه هو قائلا: "هل يعقل ان اسلم ثمار
جهدي لعشرين سنة في جمع التراث النوبي الي المجلس الاعلي للثقافة ليعطيني 1200
جنيه! رغم اني انفقت علي هذا التراث من مالي الخاص ومن قوت أولادي!
وتعالت الضحكات في القاعة التي استضافت
تلك الجلسة بالمجلس الاعلي للثقافة حين قال احد الباحثين ان وزارة التضامن الاجتماعي
تدعم جمعيات الحفاظ علي التراث بمبلغ لا يزيد عن ثلاثين جنيها سنويا لكل جمعية!
وطالب البعض بتوجيه الشكر الي وزارة التضامن علي هذا الدعم السخي! في حين اخذوا في
تبادل التعليقات الساخرة من ذلك الامر الغريب!
http://tempuri.org/tempuri.html